إنّ من عظمة هذا الدّين وتمكّنه في القلوب أنّه ومنذ بداية الدّعوة إليه استند للحجّة والبرهان في دعوة المخالفين، فأراهم الحقيقة السّاطعة والنّور المبين، بل إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام جاء لتحقيق ذلك بإخراج النّاس من ظلمات الضّلال إلى نور الهداية، وقد تعرّض في سبيل ذلك وأصحابه إلى صنوف العذاب فصبروا وتحمّلوا وما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وقد خيّر الله سبحانه وتعالى نبيّه أن ينزّل عليهم عذاباً بأن يطبق عليهم الأخشبين وهم جبالٌ في مكّة فأبى النّبي الرّحيم ذلك وقال عسى أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، فاستمر في دعوته متحملاً الصّعاب حتى مكّن الله سبحانه لهذا الدّين، فأقام المسلمين دولتهم الأولى في المدينة لتصبح منطلقاً وقاعدةً لنشر النّور والأخلاق والفضيلة إلى العالم .
وقد كان النّصارى لهم معتقداتهم الضّالة التي انحرفوا فيها عن طريق الله سبحانه، فادعو أنّ لله ولداً – حاشاه سبحانه – ووضعوا لأنفسهم معتقداتٍ ضالةٍ أخرى فقدّسوا الصّليب وأكلوا لحم الخنزير، وعندما ظهر الإسلام وبُعث النّبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم أبوا أن يتّبعوه وأصرّوا على عنادهم وكفرهم، فجادلهم القرآن وأقام عليهم الحجّة بأنّ سيّدنا عيسى عليه السّلام مثله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فكان، وأنّه كسائر البشر يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق ويحيى ويموت كما تموت الخلائق جميعها، فأبى النّصارى رؤية الحقّ، وقد روت السّنة قصة نصارى نجران في الجزيرة العربيّة حين قدم وفدها إلى الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، فدعاهم إلى دين الله والتّوحيد فكان جوابهم أنّنا مسلمون من قبلكم، فبيّن لهم الرّسول سبب ضلالاتهم وكيف أشركوا بالله وعبدوا غيره وجعلوا له ولداً وكيف عبدوا الصّليب وأكلوا الحرام، وبيّن لهم حال سيدنا عيسى وأنّه عبدٌ لله ورسوله، وبعد أن أقام عليهم الحجّة أبو إلا البقاء على حالهم وضلالاتهم، فدعاهم رسول الله للمباهله وهي الدّعاء بضراعةٍ وإلحاحٍ بأنّ تحلّ اللّعنة بأحد الدّاعين الكاذب منهم، ونزلت آيةٌ تدعو رسول الله لذلك بأن يدعو أبناءه وأهله وكذلك يفعل الفريق الآخر ثمّ يدعو الله أن ينزّل عذابه ولعنته على الطرف المستكبر عن الحقّ المصرّ على الباطل، قال تعالى ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكافرين ) .
المقالات المتعلقة بما هي المباهلة